ما كان ينقصنا هو أن يحشر فقهاء الدين بدورهم أنفسهم في الشأن السياسي ويدخلوا على خط الانتخابات الجماعية القادمة . هكذا قرأنا في العدد 753 من جريدة "المساء" ، أن "فقهاء أجمعوا على كون التسجيل في اللوائح الانتخابية واجب شرعي" ! عيش نهار تسمع خبار .
مصطفى بنحمزة ، رئيس المجلس العلمي لمدينة وجدة ، وأحد فقهاء الدين المعروفين ، صرح ﻠـ "المساء" بأن "قرار عدم التسجيل ثم عدم المشاركة بعد ذلك يوم التصويت هو "إذن بمرور المفسدين" ، وهو ما من شأنه التأثير سلبا على مصالح المواطنين" . زعما راه ﮔـاع هاد الفساد الذي يستشري اليوم في البلديات والجماعات المحلية حنا اللي مسؤولين عليه ، وليس أولائك المفسدون الذين يسيرون الشأن المحلي ، لأننا لا نذهب إلى صناديق الاقتراع بنسبة مائة بالمائة .
أكثر من ذلك ، اعتبر السيد بنحمزة أن عدم التصويت في الانتخابات يعبر عن "موقف ينبني على نظرة الاستعلاء والاحساس بالترفع على الناس " على هاد الحساب ﮔـاع اللي ما كايصوتوش فالانتخابات را فيهم البخ !
وهنا أقول للسيد بنحمزة ، وهو الفقيه العالم ، بأمور الدين على الأقل ، أن الناس عندما يقاطعون الانتخابات يا أستاذ ، يفعلون ذلك لأنهم يعتبرون هذه الانتخابات سواء كانت تشريعية أو بلدية بدون جدوى ، وليس لأنهم متكبرون و"مترفعون" . فلو كانت الانتخابات المغربية تفرز لنا حكومة مستقلة ذات سلطة ونفوذ ، وبرلمانا قويا ، ومجالس محلية تعمل في إطار الشفافية والوضوح ، وتكون خاضعة لمراقبة المواطنين ، لما وصلنا إلى هذا العزوف المهول عن التصويت ، والذي يظهر واضحا أنه سيبلغ أوجه في الانتخابات القادمة . ولو خرج كل أئمة مساجد المملكة لتوعية الناس بضرورة المشاركة .
ثم ماذا سيحدث بالسلامة مثلا ، حتى لو صوت جميع المغاربة الذين بلغوا السن القانونية للتصويت في الانتخابات ؟ لا شيء سيتغير طبعا ، فقد كان المغاربة في عهد الحسن الثاني ، يصوتون بكثافة ، (وبزز أيضا) بينما النتائج النهائية للانتخابات تكون مطبوخة وجاهزة في مطبخ وزارة الداخلية حتى قبل موعد الاقتراع بأسابيع أو أشهر كثيرة !
الآن ، ورغم أن وزارة الداخلية "رفعت" يدها الطولى نسبيا عن الانتخابات ، إلا أن الضربة القاضية تأتي من مكان آخر ، والجميع يتذكر كيف "نزلت" لائحة أعضاء الحكومة الحالية على عباس الفاسي في مسجد القرويين بفاس في ليلة القدر التي تلت فوز حزب الاستقلال بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية الماضية . فنحن في المغرب ، وحتى بعد أن أصبح الوزير الأول يتم تعيينه من الأحزاب ، هناك جهات تتكلف بإعداد قوائم المرشحين للاستوزار ، لذلك لا يحتاج الوزير الأول المعين إلى القيام بمشاورات عسيرة كتلك التي يقوم بها الوزير الأول الإسرائيلي نتنياهو هذه الأيام مع بقية الأحزاب التي تنافست مع حزبه في الانتخابات التشريعية الاسرائيلية .
في سياق الانتخابات دائما ، صرح عبد الله ﮔديرة ، رئيس المجلس العلمي لمدينة الرباط لـ"المساء" دائما ، أن "المواطن ملزم (شوفو هاد "ملزم" شحال فيها ديال القصوحية !) بالمشاركة في الانتخابات وأداء الواجب باختيار الأصلح والأفضل لخدمة البلاد والعباد" . مزيان ، ولكن فين هو هاد "الأصلح والأفضل" آسي ﮔديرة ؟ طبعا لن تعثر عليه ولو بحثت عنه بالفتيلة والقنديل . لماذا ؟ لأن السياسيين في كل بقاع الدنيا ، بما في ذلك البلدان الديمقراطية ، ليسوا ملائكة ، وإنما يشتغلون نظرا لوجود قانون يعاقب المفسدين ، ولأن المسؤولين هناك يدركون جيدا أن مصيرهم يوجد بيد الشعب وليس بأيادي أولي النعمة كما هو الحال عندنا . وبما أن المغرب ليس فيه قانون سوى على الأوراق ، فمن الطبيعي أن ينتشر الفساد ويكثر المفسدون . إيوا جيبو لينا شي مرشحين "صالحين" وديك الساعة العيب علينا يلا ما صوتناش .
أما أن يخرج الفقهاء هكذا ، ويستغلون السلطة الدينية مثلما يستغل السياسيون السلطة السياسية التي يتمتعون بها من أجل إخافتنا ، فليطمئن هؤلاء الفقهاء إلى أننا لن نأخذ رأيهم على محمل الجد ، لأننا نعلم جميعا أن الله تعالى لا يتدخل في شؤون السياسة . وشخصيا أقول بأن التسجيل في اللوائح الانتخابية لا وجود لأي حكم في الشرع يثبت وجوبه . ما دام أن المصلحة العامة للأمة هي آخر ما يمكن أن يفكر فيه كل هؤلاء الذين يتنافسون على الوصول إلى مواقع السلطة ! فلماذا سيحاسبنا الله إذا لم نصوت لهم ؟
لذلك فنحن لسنا خائفين من المحاسبة أمام الله تعالى ، حيت ما درناش علاش نتحاسبو ، ولأن الذين ينتظرهم الحساب العسير هم "أكلة السحت" الذين يشترون المقاعد في البرلمان والمجالس المحلية بمئات الملايين ، وعندما يصلون إلى مرادهم ينسون المصلحة العامة التي يدّعون نفاقا في برامجهم الانتخابية أنهم سيدافعون عنها ، ويتفرغون للدفاع عن مصالحهم الشخصية ، واسترداد المبالغ التي صرفوها في الانتخابات أضعافا مضاعفة . فمن الحمق إذن أن نصدق من هو مستعد لدفع الملايين مقابل كرسي في البلدية أو البرلمان أنه يفعل ذلك من أجل المصلحة العامة . إنه الطنز في أقصى تجلياته !
ورغم أن حساب هؤلاء سيكون عسيرا يلا ما سمحناش ليهم ، إلا أننا نتأسف جدا لكوننا لا نستطيع أن نحاسبهم هنا ، قبل أن نلتقي أمام محكمة العدل الالهية يوم الحساب الأكبر .
ويبقى الغريب في هذا المغرب العجيب هو أن كل من لديه سلطة ما ، يستأسد على المواطنين البسطاء ، لأن المواطن العادي في هذه البلاد هو الحلقة الأضعف ، بحال يلا حنا هوما السبب ديال هاد المصائب اللي كاتعرفها البلاد كاملة . وعوض أن يقف هؤلاء الفقهاء بجانبنا في مواجهة الفاسدين والظالمين والمعتدين ، وينددوا بالفساد المستشري بالطول والعرض في البلاد ، يفعلون العكس ، ويقفون في صف السلطة . لماذا لم يخرج هؤلاء مثلا عن صمتهم لمطالبة القضاء بالتعجيل بمحاسبة كل الذين وردت أسماؤهم في التقرير الأسود الذي أنجزه المجلس الأعلى للحسابات ، والذين بددوا ثروات هائلة أقلها 26 مليون ، صرفها رئيس المركز السينمائي المغربي نور الدين الصايل على ضيوفه في مهرجان "كان" في وجبة غداء واحدة !
هذا ما يجب عليكم أن تفعلوه أيها الفقهاء ، فالله تعالى حرم الظلم على نفسه وحرمه بيننا ، وبما أن "الظالمين" عندنا كثيرون ، فالمفروض فيكم أن تقفوا في صف المستضعفين لمواجهتهم ، وأكبر الظالمين هم أولائك الذين يأكلون أرزاق العباد ظلما وعدوانا .
أما أن تنظروا إلى كل هذه المصائب التي لا يرضاها الله ولا عباده بعيون مفتوحة عن آخرها ، وفي نفس الآن تطالبوننا بالذهاب إلى مكاتب الاقتراع يوم الانتخابات ، بذريعة أن ذلك "واجب شرعي" ، فلا يسعنا إلا أن نقول لكم ، وبصوت عال جدا : بـــااااز