الإشكالية المركزية للكتاب وسياقه العام
محمد ظريف
محمد ظريف: كتاب "قيمة القيم" للأستاذ المهدي المنجرة كتاب صادر في المغرب وهو كتاب يسعى إلى معالجة فكرة أساسية وهي طبيعة النزاعات التي ستحكم العالم مستقبلا، وهي أطروحة ليست جديدة لأن المؤلف ما فتئ يرددها منذ الثمانينيات. هذا الكتاب ينبغي أن نربطه بسياقه العام وهذا السياق ربما يساعدنا على فهم بعض محتوياته، فالكتاب هو أصلا مجموعة من المداخلات التي شارك بها المؤلف في بعض الندوات وكذلك بعض المحاضرات التي شارك بها في بعض المنتديات وبعض الحوارات التي أدلى بها لوسائل الإعلام لذلك نجد بأن الفترة الزمنية بين بعض المواضيع المتضمنة في الكتاب جد متباعدة، ولكن هذا التباعد الزمني لا ينفي وجود خيط ناظم للكتاب كما قلت في البداية يسعى إلى الدفاع أو التشديد على الأطروحة المركزية والطابع الثقافي للنزاعات مستقبلا إضافة إلى أن كل النزاعات ستأخذ طابعا حضاريا أو ثقافيا. فالمؤلف وزع كتابه على ثلاثة أقسام، القسم الأول بعنوان القيم والمجتمع والقسم الثاني بعنوان القيم والإبداع والقسم الثالث والأخير بعنوان القيم والذاكرة. أكيد أن القارئ قد يجد بعض الصعوبات إذا ما حاول أن يعتمد قراءة خطية لمحتويات الكتاب لأن هناك بعض التكرار كذلك أحيانا قد لا يدرك القارئ إلا بصعوبة تلك الخيوط الناظمة، ولكن إذا ما اعتمدنا قراءة مغايرة قراءة نسقية ستساعدنا على إدراك الإشكالية المركزية لهذا الكتاب.
"من الضروري التركيز منظومة القيم لنوضح أن الأزمة الحالية شمال جنوب لن يتم حلها بحلول ترقيعية هنا وهناك، إنها أزمة النظام الحالي بأكمله وكل حل يستوجب إعادة تجديد الأهداف والمهمات والبنيات مع إعادة توزيع السلطة والموارد حسب قيم مغايرة لتلك القيم التي سببت الأزمة واختلال النظام الحالي".
محمد ظريف: الإشكالية المركزية لهذا الكتاب ولو أنه كما قلت من الصعب الاقتراب منها بسهولة فهي كيفية التعاطي مع منظومة القيم ومع الثقافة بشكل عام في العالم سواء من قبل دول الجنوب أومن قبل دول الشمال، وهنا نجد بأن المؤلف لا زال يعتمد هذا التقسيم الذي كان في الأصل تقسيما ينبني على معايير اقتصادية، يعني هو الجنوب أي الدول الفقيرة أو ما يسمى بالدول النامية أو دول العالم الثالث ودول الشمال وهي الدول الغنية، ولو أن هناك الآن من يتحفظ نسبيا على استعمال هذا التقسيم.
طبيعة النزاعات التي ستحكم العالم مستقبلا
"
المؤلف يعتبر أن التخلف الذي يعانيه العالم الثالث ثقافي قبل أن يكون اقتصاديا واجتماعيا، وأن التنمية أو مفتاحها هو الثقافة وأنه لا توجد ثقافة بدون منظومة قيم
"
محمد ظريف: فالإشكالية المركزية كيف يمكن أن يتعاطى العالم الثالث بما في ذلك العالم الإسلامي والعربي مع منظومة القيم؟ وكيف توظف هذه المنظومة من قبل دول الشمال وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية؟ وهنا ينبغي أن نميز بين مستويين، مستوى التعاطي الأول المتعلق بدول الجنوب بما في ذلك العالم العربي والإسلامي، المؤلف يعتبر بأن التخلف الذي يعانيه العالم الثالث هو تخلف ثقافي قبل أن يكون تخلفا اقتصاديا واجتماعيا ويعتبر بأن التنمية أو مفتاح التنمية هو الثقافة وأنه لا توجد ثقافة بدون منظومة قيم، والتنمية تتحقق عندما يتحول العلم إلى ثقافة، وهنا المؤلف لا يأتي بشيء جديد لأن ما يقوله في هذا المستوى هو إعادة إنتاج لما قاله غونيه ماو وهو مدير سابق لليونسكو بين سنوات 1961 و1974 فغونيه ماو كان يعتبر أن مفتاح التنمية هو الثقافة وأن التنمية تتحقق عندما نحول العلم إلى ثقافة. وطبعا هنا يتم التنبيه إلى أن جزء من مشاكل دول الجنوب أو ما يسمى بدول العالم الثالث أنها لا تتعامل أو لا ترغب في تحويل العلم إلى ثقافة إنما تتعامل مع العلم كتقنية أو كخبرة، إذاً بالنسبة للمستوى الأول من الإشكالية المركزية للكتاب هو أن العالم الثالث بما في ذلك العالم العربي لا يمكن أن يغادر دائرة التخلف إلا إذا ركز على البعد الثقافي لأن التخلف في جوهره ذو طبيعة ثقافية، العالم الإسلامي والعربي مع الأسف وهذا من مظاهر تخلفه الثقافي لا يعرف نفسه إلا من خلال الآخر، إضافة إلى أن العالم العربي والإسلامي يدير ظهره للدراسات المستقبلية والدراسات المستقبلية كانت دائما تركز على ثلاثة خيارات مفتوحة أمام العالم الإسلامي والعربي، إما خيار بقاء الأوضاع كما هي وهذا خيار غير ممكن، والخيار الثاني هو خيار الإصلاح ولكن إصلاح له حدود والآن لم يعد ممكنا في العالم العربي، والخيار الثالث هو خيار القطيعة ومع الأسف هذا هو الذي يسير أو يتجه نحوه العالم العربي والإسلامي، لكن مع الأسف هذه القطيعة لن تأتي من الداخل من داخل العالم العربي والإسلامي ولكن سيفرضها الخارج. وهذه الخلاصة تحيلنا إلى المستوى الثاني من الإشكالية المركزية وكيف يوظف الآن الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية منظومة القيم كآلية للهيمنة والسيطرة على العالم، الآن الحرب أصبحت مظهرا للاستعلاء الثقافي، والغرب في مقدمته الولايات المتحدة يشن حروبا على دول أخرى بدعوى الحفاظ على منظومة قيمه وفي هذا الإطار أصبحنا نتحدث عن القيم الكونية وهذا الحديث عن القيم الكونية أضفيت عليه المشروعية من خلال ما نسميه الآن بأيديولوجيا العولمة، فالعولمة في الواقع هي أيديولوجيا لا تتم بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية فقط إنما تركز على الجوانب الثقافية أساسا.
"قيمة القيم"
تأليف: د. المهدي المنجرة
فهرس الكتاب
القيم والمجتمع
القيم والخلق والإبداع
قيم وذاكرة
--------------------------------------------------------------------------------
المصدر: الجزيرة